ما هي علوم الحاسوب وكيفية نتعلمها؟

خذ نظرةً من حولك، وفكّر بعدد الأغراض المحيطة بك، التي كان نتاجها التطوّر في علوم الحاسوب وتقنية المعلومات. فمِن شاشات التلفاز والأجهزة المنزلية الذكية، إلى الهاتف أو الحاسوب الذي تقرأ منه هذه الكلمات، نجد أن علوم الحاسوب أثّرت في حياتنا تأثيرًا عميقًا. لكن ما هي علوم الحاسوب بالضبط؟ وما هي فروعها الأساسيّة؟ وكيف تبدأ بتعلّمها؟

جدول المحتويات:

ما هي علوم الحاسوب؟

تُعرف علوم الحاسوب Computer Science، بأنّها دراسة كل ما يتعلّق بالحواسيب، تضمّ الدراسة نظرية الحوسبة Computation Theory التي تناقش إمكانيّة حل مشكلة ما بواسطة حاسوب بكفاءة، والخوارزميات المستخدمة في سبيل إنجاز هذه المهمّة، بالإضافة لدراسة تصميم الحلول البرمجيّة والعتاد الصلب.

تشكّلت علوم الحاسوب بصفتها فرعًا مستقلًّا في بدايات ستينيّات القرن الماضي، بعد أن كانت فرعًا من علوم الرياضيات، وعلى الرغم من أنّ ذلك سبق ظهور الحواسيب الإلكترونية كما نعرفها اليوم بعقدين من الزمن، إلّا أنّها كانت تركز في بداياتها على (الرياضيات، والهندسة الكهربائية، والفيزياء، وإدارة نظم المعلومات)، وما زالت بعضًا من هذه المواد متطرّق إليها بشدّة في هذا المجال.

تاريخ علوم الحاسوب

في عام 1936 طور عالم الرياضيات البريطاني “آلان تورنغ” آلة تورنغ Turing Machine، التي تُعدّ بمنزلة الخطوة الأولى التي شكّلت دراسة علوم الحاسوب كما نعرفها اليوم. كانت هذه الآلة عبارة عن نظام حسابي نظري، يحاكي طريقة عمل الحاسوب، ويُنفّذ سلسلة من العمليات المختلفة، باستخدام سلسلة من الواحدات والأصفار.

تلى ذلك ابتكار مفهوم تخزين البيانات على الحاسوب، على يدّ عالم الرياضيات “جون فون نيومان”. وبهذا أصبح لدينا الآلة لتنفيذ مختلف العمليات الحسابيّة، على البيانات الممثّلة بأصفار وواحدات بفضل تورنغ، والقدرة على تخزين هذه البيانات على وسائط تخزين، بحيث يتمّ استخدامها في أيّ وقت أردنا وذلك بفضل “نيومان”، مما شكّل اللبنة الأساسيّة في بناء الأنظمة الحاسوبيّة.

لم يكن مثاليًّا للبشر إجراء العمليات الحسابية والمنطقية باستخدام الواحدات والأصفار، فمن أجل إجراء عمليّة حسابية بسيطة، توجّب على علماء الحاسوب كتابة كتلة ضخمة من الأصفار والواحدات، ولك أن تتصوّر الإحباط إن لم تعمل وفق ما هو مخطّط له، وتوجّب على المبرمج مراجعة ما كتبه! بالإضافة إلى أنّ استخدام الحواسيب في ذلك الزمن كان منحصرًا على مجموعة صغيرة، بسبب ارتفاع تكلفة التجهيزات، والكفاءات المطلوبة لتشغيلها.

دفعت هذه الصعوبات لتطوير طريقة تسهّل تواصلنا مع الأجهزة التي تفهم الواحدات والأصفار فقط، وهنا بدأت الجهود الحثيثة بتطوير هذه الوسيلة التي نعرفها في يومنا هذا باسم لغات البرمجة. ظهرت أولى لغات البرمجة في عام 1949 باسم لغة التجميع Assembly Language، التي استبدلت الأصفار والواحدات في التعليمات البرمجيّة بكلمات نفهمها نحن البشر مثل ADD لعمليّة الجمع، وتمرير هذه الشيفرة البرمجيّة لبرنامج دُعيَ بالمجمّع Assembler، ليحوّلها لأصفار وواحدات بالكامل.

لم تكُن هذه اللغة سهلة التعامل والبرمجة بمعايير اليوم، لكنّها كانت تطوّرًا ملحوظًا عن كتابة لغة الآلة (الأصفار والواحدات). لم يتوقّف تطوير لغات البرمجة بعد لغة التجميع هذه، إذ رغب علماء الحاسوب بتطوير المفهوم المُستخدم في لغة التجميع بشكل أكبر، وتسريع عمليّة البرمجة وتسهيلها، أدّى هذا بظهور العديد من لغات البرمجة الأخرى، مثل كوبول COBOL وفورتران FORTRAN، وغيرها. بعض لغات البرمجة هذه ما تزال مستخدمة إلى يومنا هذا.

أدّى التقدم المتسارع في مجال تطوير البرمجيات إلى زيادة تطبيقات الحواسيب وظهور مختلف البرامج، أبرزها أنظمة التشغيل التي تعمل بواجهة مستخدم رسوميّة Graphical User Interface، أو كما تدعى GUI اختصارًا. هذا الأمر -مصحوبًا بالتطور الكبير في مجال الترانزستورات- جعل من الحواسيب آلات جبّارة قادرة على تنفيذ مليارات العمليات في الثانية، دون أي مشكلة تذكر، مما فتح الباب للعديد من المجالات، التي لم نكن نتصوّر أنّها ممكنة.

لكن الآن -وبعد مرور قرن من الزمن تقريبًا في التطوير والتحسين- كيف يبدو مجال علم الحاسوب المعاصر، وما هي المجالات التي خلقتها هذه الآلات؟ هل علم الحاسوب الموجود على زمن “تورنغ” و “نيومان” هو علم الحاسوب ذاته الموجود على زمننا؟ هل تجربة دراسة علم الحاسوب تغيّرت خلال العقود الماضية؟

دراسة علوم الحاسوب في وقتنا المعاصر

حافظ فرع علوم الحاسوب على بعض الموادّ الأساسية في دراسته، مثل الرياضيات والتعامل مع أنظمة إدارة المعلومات، وغيرها. لكن -وبفضل التطوّر العلمي الذي قطعه هذا المجال- أُضيفت بعض المواضيع الجديدة التي لم تكن مهمّة أو موجودة في البدايات، أو لم تكن ممكنة للقدرات الحسابيّة المحدودة آنذاك، مثل الرؤية الحاسوبيّة والحوسبة الكميّة. لكثرة المواضيع وتنوّعها. سنناقش الأساسيّ منها التي ستحتاج لدراستها بالتأكيد، بغض النظر عن اختصاصك أو الجهة التي تقدّم لك التعليم، ثمّ سنتطرّق للمواضيع الاختصاصيّة.

المواد الأساسيّة (الفرع المشترك)

في دراستك لعلوم الحاسوب، هناك بعض المواد الأساسيّة التي سيتوجب عليك تعلّمها، مهما كانت رغبتك الاختصاصيّة. تسمّى هذه المواد في بعض الأحيان مواد الفرع المشترك، وتُدرَس في السنوات الأولى من المرحلة الجامعيّة قبل تحديد الاختصاص غالبًا. تُعدّ هذه المواد أساسًا في دراستك الأكاديميّة إذ تزوّدك بالأدوات والمفاهيم الضروريّة، لبناء المهارات والقدرات الأكثر تعقيدًا. نذكر منها:

1. الرياضيات

في الحقيقة، الرياضيات التي تدرّس في مجال علوم الحاسب، مختلفة بعض الشيء عن الرياضيات التي اعتدتّ دراستها في المدارس، إذ تدعى بالرياضيات المتقطّعة Discrete Mathematics أو الرياضيات المتناهية Finite Mathematics. تتعامل الرياضيات المتقطّعة مع العناصر القابلة للعدّ فقط، أي مجموعة الأعداد الطبيعية، التي لا تحتوي على أيّ فواصل.

تدرس الرياضيات المتقطّعة مواضيعًا مثل المنطق الرياضي (الاستنتاج والبرهان الرياضي)، ونظريّة المجموعات، ونظرية الأعداد (دراسة خصائص مجموعة معيّنة من الأعداد، مثل الأعداد الأوّلية)، ونظريّة المخططات Graph Theory التي تستخدم في تمثيل البيانات باستخدام مخطّطات، وتشمل تطبيقاتها إيجاد حلّ لمتاهة على سبيل المثال، بالإضافة إلى الجبر الخطّي والاحتمالات.

2. الهندسة الكهربائية

يتألّف الحاسوب من شقّين، برمجي وفيزيائي. فهم الجزء الثاني وطريقة عمله، مرتبط بشكل وثيق بمعرفة ودراسة مبادئ الهندسة الكهربائيّة، لكن يتمّ التركيز هنا على أقسام معيّنة من هذه الهندسة، إذ لا تشمل دراستك عادةً النظم الكهربائيّة والطاقة والمحرّكات، بل تختصّ دراستك بالفروع المتعلّقة بالحواسيب بشكلٍ مباشر.

يشمل هذا فروعًا مثل الهندسة الإلكترونيّة التي تناقش سلوك العناصر الإلكترونيّة مثل: المكثفات والمقاومات، وأشباه الموصلات مثل الدايودات والترانزستور، المكوّن الأساسي للمعالِجات، ومعالجة الإشارة التي تدرس الإشارات الكهربائيّة وطرق التعامل معها، مثل تحويل إشارة تماثليّة Analog إلى إشارة رقميّة Digital، وهي العملية التي يستخدمها حاسوبك لتحويل صوتك (الإشارة التماثليّة) إلى ملف صوتي (إشارة رقميّة) مثلًا.

3. البرمجة

تُعدّ البرمجة جزءًا أساسيًّا من اختصاص علوم الحاسوب. ستبدأ بتعلّم لغة واحدة عالية المستوى في البداية مثل سي، أو سي بلس بلس، أو جافا، أو غيرها. والهدف هنا ليس تعلّم اللغة، بقدر فهم منطق عمل الحاسوب وكيفيّة معالجته للبيانات، وتنفيذه للأوامر. ففي نهاية المطاف، إن كنتَ تجيد لغة برمجة واحدة، يمكنكَ تعلّم أخرى بسهولة بالغة.

يعتمد فهمك لمبدأ عمل الحاسوب أيضًا، على فهمك الجيّد لهياكل البيانات Data Structures، لفهم كيفية تعامل الحاسوب مع البيانات، والخوارزميات Algorithms، لفهم كيفية تنفيذ الحاسوب للأوامر. تُعرف هياكل البيانات بأنها تنسيق وتنظيم لمجموعة من البيانات، بهدف تسهيل الوصول إليها والتعديل عليها. على سبيل المثال، تُعدّ المصفوفة من هياكل البيانات، التي تخزّن عدّة متغيّرات من النوع ذاته.

بينما تعرَف الخوارزميات، بأنّها مجموعة من الخطوات المنطقيّة والحسابية المتسلسلة، التي تهدف لحلّ مشكلة أو إنجاز مهمّة ما. على سبيل المثال، وصفة طبخ نوع معيّن من الحلويات، إذ تمثّل كل خطوة فيها (مثل أوقد الفرن، اخلط المكوّنات) أمر متسلسل له ترتيب معيّن، بينما تلعب المكوّنات دور البيانات، والهدف النهائي من هذه الوصفة (الخوارزميّة)، هو الوصول للطبق النهائي الشهي.

بعض اختصاصات علوم الحاسوب

ذكرنا أبرز المواد الأساسيّة عمومًا، لكن قد تحتوي خطّتك الدراسية على بعض مقدّمات المواد الاختصاصيّة، لتساعدك فيما بعد بتحديد تخصيصك المفضّل الأنسب لك. هناك الكثير من المواد الاختصاصيّة، وفقًا لجامعتك أو الجهة التي تدرس عندها، بالإضافة لوجود الكثير من الاختصاصات الحديثة، التي لم يُتطرّق إليها بعد بشكلٍ مباشر في معظم المؤسسات التعليمية. لذا سنكتفي بذكر أبرز الاختصاصات:

1. شبكات الحاسوب

شبكات الحاسوب هو الفرع الذي يُعنى بدراسة كل ما يتعلق بالشبكات السلكية واللاسلكية، يدعى في بعض الأحيان هندسة الاتصالات Telecommunications، ويكون فرعًا منفصلًا عن علوم الحاسوب في بعض الجامعات، إلّا أنه مرتبط به بشكلٍ وثيق. يدرس فرع شبكات الحاسوب معالجة الإشارة عن كثب بشكل نظري، بالإضافة لأنواع الشبكات المختلفة سواءً السلكية أو اللاسلكية منها.

أضِف إلى ذلك، العتاد الصلب المتعلّق بها مثل: الموزعات Hubs وأجهزة التوجيه Routers والمفاتيح Switches، وبروتوكولات الاتّصال المختلفة في كل طبقة من طبقات نقل البيانات مثل: بروتوكول الاتصال البيني للأجهزة المفتوحة المعروف اختصارًا بـ OSI، وبروتوكولي الإنترنت TCP/IP، والبرمجيات المستخدمة لإدارة هذه الشبكات، بالإضافة لطرق حماية الشبكات من الهجمات الخبيثة وسد ثغراتها.

2. الذكاء الاصطناعي

يشهد هذا الفرع إقبالًا كبيرًا، إذ ينظر إليه الكثيرون بكونه فرع المستقبل. يحتوي الذكاء الاصطناعي على العديد من المواضيع الفرعيّة الضخمة، ويمكن اعتبار كلّ واحدة منها اختصاصًا بحدّ ذاته. أوّلها هو تعلّم الآلة Machine Learning، ويتعامل بالمعادلات الرياضيّة والاحصائية إذ تتغيّر هذه المعادلات بحسب البيانات المدخلة للنّظام.

يشكّل التعلم العميق Deep Learning جزءًا مهمًّا من الذكاء الاصطناعي أيضًا، ويسمّى في بعض الأحيان بالتعلم العميق بالشبكات العصبونيّة، إذ يحاكي العصبونات الموجودة في أدمغة البشر وطريقة تعلّمه. يحتوي فرع الذكاء الاصطناعيّ المزيد من المجالات الفرعيّة الأخرى، مثل معالجة اللغات الطبيعيّة NLP، الذي يدرّب الذكاء الاصطناعي على فهم ومعالجة اللغات، التي نستخدمها نحن البشر (العربيّة مثلًا)، والرؤية الحاسوبيّة Computer Visualization، وغيرها.

3. تطوير البرمجيات

لا تقتصر دراسة تطوير البرمجيات على دراسة برمجة تطبيقات الحاسوب، والتركيز على لغات البرمجة فحسب، بل تتناول مختلف المراحل التي تمرّ بها أيُّ برمجية خلال عملية تطويرها. يشمل ذلك، دراسة متطلّبات البرمجية وطبيعة السوق، بالإضافة لوضع خطط وإدارة سير عمليّة تطوير البرمجية بفاعلية وكفاءة، ومن ثمّ اختبار البرنامج بعد برمجته، وأخيرًا نشره وصيانته الدوريّة. قد يشمل الأمر أيضًا، توثيق البرمجيّة وتصميم تجربة المستخدم.

4. تطوير الويب

يدرس مجال تطوير الويب جميع النقاط المتعلّقة بإنشاء موقع إلكتروني أو تطبيق ويب، هناك الكثير من الاختصاصات المتفرّعة ضمن هذا الاختصاص، منها تطوير الواجهات الأماميّة Front-end Web Development، الذي يعنى بتطوير وتصميم واجهات المستخدم، وتستخدم HTML/CSS ولغة JavaScript بشكلٍ أساسي.

إضافةً لتطوير الواجهات الخلفية Back-end Web Development، الذي يعنى بتطوير المنطق الذي يعالج بيانات مستخدمي الموقع وخوادم الموقع وعملية التبادل بين الطرفين، وتستخدم أُطُرًا برمجية مثل جانغو Django بلغة بايثون.

5. أمن الحاسوب

أمن الحاسوب أو الأمن الرقمي Cyber Security، هو المجال الذي يدرس أمان أنظمة الحاسوب ويعمل على تحسينها. إذ يهدف لحماية المعلومات والممتلكات من السرقة، مع المحافظة على سهولة الوصول إليها، وتداولها بين مستخدمي ومالكي هذه المعلومات. يدرس هذا المجال بعض المواضيع وثيقة الصلة بالتشفير Cryptography، وإدارة الأنظمة System Administration، بالإضافة للأخلاقيات والسياسات.

ما عدد ساعات الدراسة الكليّة لعلوم الحاسوب؟

في الحقيقة، تعتمد الإجابة على الشهادة التي تسعى لنيلها، والمؤسسة التعليمية التي ستقدّم لك هذه الشهادة في نهاية الأمر، فالأمر نسبي. على سبيل المثال، للحصول على درجة الدبلوم Associate’s Degree في علوم الحاسوب، يتطلّب الأمر 60 نقطة، قد تكون مجزّأة على مدة سنتين أو أكثر. بينما تتطّلب درجة البكالوريوس Bachelor’s Degree أربعة سنوات من الدراسة المتواصلة على أقلّ تقدير. تقدّم بعض المؤسسات التعليميّة منهاجها ضمن الحرم الجامعي أو على الإنترنت، أو تستخدم مزيجًا من الاثنين.

علوم الحاسوب أم هندسة المعلومات، أيّهما أفضل؟

تعتمد الإجابة كليًّا على وضعك وتفضيلك الشخصي، هل تحبّ البرمجة وعملية برمجة التطبيقات دون الغوص في تفاصيل عمل الشيفرة البرمجيّة وفهمها؟ هل تفضّل العمل ضمن فريق أو العمل مباشرةً مع الزبائن؟ أم تفضّل دراسة خوارزميات الحاسوب وحلّ المشاكل المعقّدة، وإيجاد الحل الأمثل لمعضلة ما؟ التفضيل بين علوم الحاسوب وهندسة المعلومات يعتمد على إجابتك.

توازِن دراسة علوم الحاسوب ما بين الجانب النظري والعملي، بينما تركِّز هندسة المعلومات على الجانب العملي. يتطلّب علم الحاسوب معرفة وتمكّنًا قويًّا في الرياضيات بشكل أكبر من هندسة المعلومات، إذ إنّ التعمّق في الرياضيات ينحصر على بعض فروع هندسة المعلومات مثل الإحصائيات، ومعالجة البيانات. يدرس كلا الفرعين البرمجة بشكل أساسي، إلّا أنّ طريقة تناول كل فرع للموضوع مختلفة.

ما الفرق بين علوم الحاسوب وهندسة الحاسوب؟

يعتبر كلًّا من علوم الحاسوب وهندسة الحاسوب فرعين من خمسة أفرع مترابطة ببعضها، وهي: هندسة الحاسوب، وعلوم الحاسوب، وهندسة المعلومات، ونظم المعلومات، وتطوير البرمجيات. تعرَف مجموعة الأفرع السابقة بفروع الحوسبة Computing. تترابط جميعها ارتباطًا وثيقًا مع بعض الفروقات الصغيرة، إذ يركّز كل فرع منها على جانب معيّن، وعلى الرغم من التشابه بين الأفرع، إلّا أنّ الفرق كبير.

تركز هندسة الحاسوب على تطوير وتصميم العتاد الصلب للحاسوب، بينما تركّز علوم الحاسوب على نظرية الحوسبة النظريّة -إمكانيّة حل مشكلة بواسطة الحاسوب، والتعامل مع التعقيدات الناتجة- ومواضيع أخرى، مثل الخوارزميات وشبكات الحاسوب. إن كنت تستمتع ببناء وتجميع الحواسيب الشخصية، ولديك شغف كبير للعتاد الصلب وكيفية عمله، فستفضّل هندسة الحاسوب. أمّا إذا كنت تستمتع بحلّ مشاكل بخوارزمية معينة وتحليل البيانات، فستفضل علوم الحاسوب.

ما الذي ينتظرني بعد التخرج؟

على الرغم من التنافسية الجديدة في مجال علوم الحاسوب والتقنية بشكل عام، إلّا أن فرص العمل متوافرة بكثرة. إذ طبقًا لمكتب إحصاءات العمل الأمريكي، من المتوقع أن يكبر قطاع تكنولوجيا المعلومات وعلوم الحاسوب -ومعه فرص العمل- بنسبة 13% بين عامي 2020 و2030. هذه الأرقام تعني توفر نحو 667 ألف وظيفة جديدة، وعلى الرغم من أن هذه التوقعات تعكس طبيعة العمل في الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أنها مؤشر واضح على نمو سوق العمل هذا.

ورغم الطلب الغزير لوظائف علوم الحاسوب، يشير تقرير مؤسسة كابجيميني للتحول الرقمي إلى أن الشركات لا زالت تشكو من نقص للخبرات والكفاءات في قطاعات علوم الحاسوب والتقنية، مثل الأمن الرقمي، والحوسبة السحابية، وتطوير الويب، وغيرها. وبحلول 2030، قد يصل نقص الخبرات إلى ما يعادل 4.3 مليون وظيفة حول العالم.

أما بخصوص الرواتب، فالأمر ما يزال إيجابيًّا. إذ تتراوح الرواتب السنوية من 70 ألف إلى 120 ألف دولار. هناك عدّة عوامل تحدّد راتبك السنوي مثل: المجال الذي تختصّ به، ودرجتك الجامعيّة (دبلوم، أم بكالوريوس، أم ماستر)، وسنوات الخبرة، والدولة التي تعمل بها. تعدّ مجالات: الذكاء الاصطناعيّ وتطوير الويب ومعالجة البيانات الضخمة، من أعلى الوظائف أجرًا.

هل يعدّ خريج علوم الحاسوب مهندسًا؟

ببساطة، الأمر يعتمد على اختصاصك ومسارك الوظيفي، فإن كنت ستعمل في مجال تطوير وبرمجة البرمجيات والحلول التقنية، فتسميتك الوظيفيّة ستكون غالبًا مهندس، أما إذا اخترت العمل بشكل أكاديمي في التدريس والتعليم أو مجال الأبحاث في نظرية الحوسبة، فستسمّى عالمًا. لذا وباختصار، نعم خرّيجوا علوم الحاسب مهندسون.

مستقبل علوم الحاسوب

في الحقيقة، من الصعب توقّع شكل مشهد التقنية وعلوم الحاسوب في السنتين القادمتين، ناهيك عن العقود التالية. إذ انتقلنا من تشغيل مهمّة أبولو الفضائية على جهاز Apollo Guidance Computer، الذي تساوي قوّة المعالجة الخاصة به جهازي نينتيندو، إلى حواسيب فائقة قادرة على معالجة عدد مهول من البيانات ومحاكاة الكون بظرف 50 سنة فقط! مع قولنا لهذا، فإنه يوجد بعض المجالات الواعدة التي أحرزت تقدمات كبيرة في العقود المنصرمة، وشهدت تحولات كبيرة. نذكر منها:

1. الحوسبة العضوية

يجمع مجال الحوسبة العضوية Organic Computing بين علوم الحاسوب والهندسة الحيّة، ويهدف لدراسة وإنشاء حواسيب عضويّة مكونها الأساسي الخلايا الحيّة والعصبونات، الدراسات والبحوث في هذا المجال ما زالت نظريّة وتجريبيّة. في الحقيقة، الفرع ما زالَ حديث العهد لدرجة أنّك ستجد اختلاف في تسميته فالبعض يسمّيه باسم الحوسبة الحيّة Biological Computing، ويسمّى الحاسوب العضوي في بعض الأحيان باسم العتاد السائل Wetware.

يعمل الحاسوب العضوي بمعالجة البيانات باستخدام العصبونات الحيّة، وتخزّن البيانات على الحمض النووي الخاص بالخلايا. بناءً على هذا التعريف، تعدّ أجسامنا حواسيبًا عضويّة. أولى المحاولات الناجحة في مجال إنشاء حاسوب عضوي كانت عام 1999، باستخدام علقَة، إذ استخدم عالم الحاسوب “ويليام ديتو” عصبونات العلقة في إنجاز بعض عمليات الجمع البسيطة.

2. الحوسبة الكمومية

على عكس الحواسيب الاعتيادية التي نستخدمها في حياتنا اليوميّة، التي تتّخذ وِحدة البِت Bit كقياس أساسي للمعالجة (صفر أو واحد)، تتّخذ الحواسيب الكميّة وحدة الكيوبِت Qbit أو البِت الكميّ (صفر أو واحد، أو تراكُب Superposition بينَ القيمتين). تجمع الحوسبة الكمية Quantum Computing بين علوم الحاسوب والفيزياء الكميّة.

لن تستبدل الحوسبة الكميّة التقنية المستخدمة في حواسيبنا، بل هي مفيدة لبعض التطبيقات المعيّنة، التي تتفوّق بها على الحواسيب الاعتياديّة. ذلك مثل: مجالات الأمن الرقمي والهندسة الحيويّة والكيميائيّة، بالإضافة إلى مجالات الذكاء الاصطناعي وتعليم الآلة. تقتصر استخدامات الحواسيب الكميّة حاليًّا على المؤسسات والشركات الكبيرة، بغرض التطوير والتحسين في المجال أو لأغراض بحثيّة.

3. الذكاء الاصطناعي العام

مع تطوّر ونضج مجال الذكاء الاصطناعي وتحسّن قوة المعالجة بشكل ضخم جيلًا بعد جيل، نصبح أقرب لحلم الذكاء الاصطناعي العام General AI، يسمّى هذا النوع من الذكاء الاصطناعي في بعض الأحيان بالذكاء الاصطناعي القوي Strong AI، أو الذكاء الاصطناعي الكامل Full AI. يعرَف بأنّه الذكاء القادر على فهم أو تعلم أي مهمّة فكرية يمكن للإنسان القيام بها. هناك بعض المشكّكين في إمكانية وصولنا لهذا المستوى للذكاء الاصطناعي، ولكنّ التطورات الأخيرة في هذا المجال تقترح عكس ذلك.

بالطبع، هناك المزيد من المجالات الشائعة التي اكتسبت طلبًا متزايدًا عليها في السنوات الأخيرة، مثل الحوسبة السحابيّة Cloud Computing، التي تركز على توفير موارد المعالجة الحاسوبية عند الطلب للمستخدم عبر الإنترنت، ومجال الواقع المدمج Augmented Reality، والواقع الافتراضي Virtual Reality، بالإضافة لتقنيات البلوكشين Blockchain، مثل العقود الذكيّة Smart Contracts، والتطبيقات اللامركزية DApps .

كيف أخطو أولى خطواتي في هذا المجال؟

غالبًا ما تكون البدايات صعبة، فالحصول على أساسٍ قويّ ومتين في علوم الحاسب، يُعدّ تحديًا لجميع المبتدئين الراغبين بالدخول لهذا المجال والعمل فيه. لحسن الحظّ، يوفّر لك الإنترنت جميع المصادر والدورات التي تحتاج إليها في علوم الحاسوب والبرمجة. إذ تحتلّ علوم الحاسوب وهندسة المعلوماتية المرتبة الثانية بعدد الطلاب المتعلمين عبر الإنترنت.

نرشّح لك هنا دورة علوم الحاسوب المقدّمة من أكاديميّة حسوب، إذ تمدّك هذه الدورة التدريبيّة بأهمّ المبادئ والمهارات اللازمة في مجال علوم الحاسوب، مثل أساسيات التفكير المنطقي وحل المشاكل، ومبادئ البرمجة باستخدام لغة JavaScript، والتعامل مع أنظمة قواعد البيانات باستخدام لغة SQL. والمزيد من المواضيع الأخرى، على أيدي نخبة من المطوّرين، وباللغة العربيّة. تضمن لك أكاديميّة حسوب استرجاع قيمة استثمارك بعد 6 أشهر من إنهائك للدورة التدريبيّة، بالإضافة لشهادة معتمدة.

ختامًا، ستواجه الكثير من المشاكل خلال مسيرة تعلّمك لعلوم الحاسوب والبرمجة لا ريبَ في ذلك، كُن صبورًا وتذكّر أنّ المبرمج في نهاية المطاف حلّال مشاكل. وفي وقتنا هذا، أصبح الوصول لحلولٍ ومساعدة على الإنترنت ميسّر وسهل عن طريق أسئلة وأجوبة أكاديميّة حسوب مثلًا. نتمنّى لك التوفيق والنجاح في مسيرة تعلّمك، رحلة ممتعة!

تم النشر في: علوم الحاسوب